تعيش الموهبة وتنمو ويكتب لها الخلود عندما يصاحبها ذكاء فى التعامل معها وإدارتها، وهذا ما جعل بعض الأسماء والمواهب تبقى وتخلد، وبعضها الآخر يختفى ولا يحقق إلا القليل من النجاح، هكذا كان الفرق بين عمالقة الفن ومن مروا عليه مرور الكرام، وهكذا فطن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ إلى أن ما يكتب لموهبته البقاء ليس جمال صوته وعذوبته فقط لكن قدرته على إدارة هذه الموهبة وقدرته على أن يبقى دائماً على القمة رغم وجود أصوات ومواهب أخرى قد لا تقل عنه فى جمال الصوت.
وإذا رجعنا إلى حياة العندليب ومسيرته وحواراته يمكننا أن نكتشف هذا الذكاء الذى كتب لموهبته وصوته الخلود، وفى عدد نادر من مجلة الكواكب أهداه لنا المؤرخ الفنى نعيم المأمون وصدر فى مايو عام 1958 أجرى الصحفى الكبير جميل الباجورى حواراً مع العندليب نشر تحت عنوان “عبد الحليم حافظ المطرب الّذى لم تهزمه آلام البلهارسيا يتكلّم فى: الحبّ والسّياسة الخضار المسلوق”.
وخلال الحوار سأل الصحفى الكبير المطرب الذى صعد وقتها إلى قمة النجاح عن علاقته بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قائلا: “لماذا لم نعد نسمع لك ألحاناً من عبدالوهاب وهل هناك سوء تفاهم بينك وبينه؟”.
وأجاب العندليب عن هذا السؤال بقوله “أبداً علاقتى بعبدالوهاب كما هى لكنى لا أغنى حاليا إلا ما يضعه من ألحان فى أفلامه التى ينتجها لحسابه الخاص، ولا أغنى له أغان أخرى”.
وأوضح العندليب قائلا: “ليست عندى أى رغبة فى ربط نفسى بعجلة الموسيقار الكبير حتى لا تدوـ ـسنى كما داـ ـست غيرى من قبل وألقت بهم بعيدا فى طريق الإهمال والنسيان”.
وأردف عبد الحليم قائلا: “لا تسألنى من أقصد بالذين داستهم عجلة عبد الوهاب لكن الجميع يعرفون من هم، فعبد الوهاب رجل كبير ولازم يفضل كبير، ولا يحب أن يكبر عليه أحد فى دنيا الغناء أو التلحين، وفى سبيل ذلك هو على استعداد لتحطيم كل شىء يعترض طريقه”.
وعندا سؤال الباجورى العندليب هل سيعود للتمثيل فى أفلام من إنتاج عبدالوهاب، أجاب حليم بأنه سيقوم بدور فى فيلم “فى بيتنا رجل” قصة الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، لكنه سيقوم بالتمثيل فقط ولن يغنى فى الفيلم، وما حدث بعد ذلك هو أن العندليب لم يشارك فى الفيلم الذى قام ببطولته عمر الشريف ورشدى أباظة وحسن يوسف.